لقد أضحى البحث العلمي يشكل سمة العصر الراهن، و قد زادت أهمية البحوث العلمية منذ خمسينيآت القرن الماضي بحيث باتت ركيزة أساسية في تشكيل خطط التنمية الشاملة و تطويرها، كما أصبحت آمال المجتمع في الرقي و التقدم في شتى القطاعات معلقة على البحث العلمي فيما يقدمه من دراسات و بحوث علمية أصيلة يقوم بها أعضاء هيئة التدريس بالجامعات و الباحثون و المهنيون. و لاشك في أن البحث العلمي ركن أساسي من أركان علم المكتبات و المعلومات. إذ يقع عليه الدور الأكبر في إرساء أسس هذا العلم و نظرياته و فلسفته، و بيان دوره في خدمة المجتمع، فضلاً عن إضافة الجديد إلى معارفه و المساهمة في التغلب على المشكلات و الصعوبات التي تواجه العاملين في مرافق المعلومات بمختلف فئاتها.
1. مشكلة الدراسة و تساؤلاتها
تنبهت بعض التخصصات العلمية لأهمية البحث العلمي و جعلته موضوعاً للعديد من المناقشات و اللقاءات و المؤتمرات و البحوث التي تعمل على تطوير نظرياته و ربطه بالمجتمع بصورة كبيرة من شأنها أن تدفع عجلة التنمية و التقدم.
و بالرغم مما يشهده مجال المكتبات و المعلومات من نشاط ملحوظ على الصعيد المصري سواء على المستوى المهني أو التعليمي أو البحثي، و توجه بعض الأقلام لدراسة هذه الأنشطة على الصعيد المهني و التعليمي، إلا أنه لا تتوفر معلومات كافية عن النشاط البحثي، ومن هنا تتبلور مشكلة الدراسة في الافتقاد لتصور كامل عن واقع و مجريات البحث العلمي في علم المكتبات و المعلومات في مصر، وجوانبه المختلفة بدءاً من: المؤلفات المتوافرة في مقرر منهج البحث العلمي، ومروراً بتدريس هذا المقرر والتدريب على إجراء البحوث، وحتى البحوث المنجزة واتجاهاتها الموضوعية وجوانبها الإجرائية و المنهجية ، وحتى نشرها واستثمار نتائجها، بنظرة تتضمن المقارنة في واقعه الحالي وتطلعاته المستقبلية. وفي سياق هذه المشكلة فإن هناك عدد من التساؤلات التي تسعى الدراسة للإجابة عنها وهي:
1- ما دوافع إجراء البحث العلمي في مجال المكتبات والمعلومات ؟ وما المشكلات التي تعترض إجراء هذا البحث؟
2- ما مقومات البحث العلمي في مجال المكتبات والمعلومات؟ وما واقعها في البيئة المصرية؟
3- ما الاتجاهات الموضوعية للبحوث العلمية المصرية في مجال المكتبات والمعلومات في حاضرها ومستقبلها؟
4- ما الجوانب المنهجية والإجرائية للبحوث العلمية المصرية في مجال المكتبات والمعلومات؟
5- ما الخصائص المتعلقة بنشر البحوث العلمية المصرية في مجال المكتبات والمعلومات؟
6- ما واقع استثمار نتائج البحوث العلمية المصرية في مجال المكتبات والمعلومات؟
2. أهمية الدراسة
تبدو أهمية هذه الدراسة في النقاط التالية:
1- تستمد هذه الدراسة أهميتها مما يتمتع به المجال نفسه من أهمية كبيرة في دفع عجلة التنمية والنهضة العلمية والثقافية في المجتمع.
2- ينصب اهتمام هذه الدراسة على أحد أهم دعائم التنمية بكافة أنواعها وأشكالها وهو موضوع البحث العلمي خاصة فيما يتصل بعلم المكتبات والمعلومات، وبما يحمله هذا الاتجاه من دراسة لأساسيات هذا البحث، فضلاً عن : دراسة خصائص البحوث من حيث أهدافها، ومناهجها، ونتائجها، وتوصياتها، واتجاهاتها الموضوعية، وفئات الباحثين القائمين بها.
3- تمثل الفترة التي تتم فيها دراسة هذه البحوث العلمية (1994-2003 م) أحدث فترات البحث العلمي في المجال ويمكن القول بأنها فترة الازدهار لعلم المكتبات والمعلومات، ومن ثم فإن هذه الدراسة يمكن أن ترسم صورة كاملة عن واقع هذه البحوث في الحاضر واتجاهاتها في المستقبل والمشكلات التي تواجهها.
4- تفيد هذه الدراسة في إمكانية سحب بعض ملامحها ونتائجها للمساهمة في رسم صورة فعلية لواقع البحث العلمي في مصر.
3. حدود الدراسة
تنصب هذه الدراسة على البحوث العلمية المصرية في علم المكتبات والمعلومات وفقاً للحدود التالية:
- الحدود الزمنية: ترصد الدراسة البحث العلمي في علم المكتبات والمعلومات بداية من عام 1994م حتى نهاية عام 2003م، نظراً لأن عامل الحداثة والمعاصرة يتوفر في هذه الفترة، إضافة إلى نشاط حركة إنشاء أقسام المكتبات والمعلومات بالجامعات المصرية خلال نفس الفترة، وما تبعه من ارتفاع أعداد الخريجين، والباحثين في المجال، فضلاً عن الزيادة الملحوظة في أعداد المؤتمرات العلمية المتخصصة، وازدياد حركة نشر الإنتاج الفكري المتخصص، كما امتدت حدود الدراسة حتى نهاية عام 2005م للأطروحات المسجلة بالجامعات المصرية؛ لتعبر بصدق عن الاتجاهات الموضوعية المستقبلية للبحوث، وهي آخر إصدارة ظهرت أثناء الانتهاء من هذا البحث.
- الحدود النوعية: ينصب اهتمام هذه الدراسة على الأطروحات ، والدراسات العلمية المنشورة بثلاث دوريات متخصصة في علم المكتبات والمعلومات وهي:الاتجاهات الحديثة في المكتبات والمعلومات(القاهرة: المكتبة الأكاديمية، 1994) ، ودراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات (القاهرة: دار غريب للطباعة والنشر، 1996)، وعالم المعلومات والمكتبات والنشر (القاهرة: دار الشروق، 1999) ؛ حيث تعد هذه الدوريات الثلاث أبرز وأهم الدوريات المتخصصة في مجال المكتبات والمعلومات مصرياً وعربياً، كما أنها أكثرها انتظاماً في الصدور، وثقة وشيوعاً بين أوساط الباحثين في المجال.
- الحدود المكانية: تهتم هذه الدراسة بالبحوث المقدمة إلى أقسام المكتبات والمعلومات بالجامعات المصرية للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، كذلك الدراسات العلمية المنشورة بالدوريات الثلاث السابق تحديدها للباحثين المصريين فقط دون العرب.
- الحدود اللغوية: تهتم هذه الدراسة بالبحوث العلمية في علم المكتبات والمعلومات أياً كانت اللغة التي ظهرت بها .
- الحدود الموضوعية: تدور الدراسة داخل تخصص المكتبات والمعلومات بكافة فئاته الموضوعية طالما تنتمي هذه الفئة إلى علم المكتبات والمعلومات، وقد حددت الفئات الرئيسة للدراسة في الفئات التالية:
1- مصادر المعلومات
2- مؤسسات المعلومات
3- عمليات المعلومات
4- خدمات المعلومات
5 – المستفيدون
6- تكنولوجيا المكتبات والمعلومات
7 - تاريخ المكتبات والمعلومات
8 - علم المكتبات والمعلومات:القضايا والإشكاليات
4. منهج الدراسة وأدواتها
اعتمدت الدراسة على الجمع بين منهجين رئيسيين أولهما هو المنهج الميداني ، أما ثانيهما فهو منهج تحليل المضمون أو المحتوى ( Content Analysis). وانقسم مجتمع الدراسة إلى ثلاث فئات وهي:
أ- الباحثون.
وهم أعضاء هيئة التدريس بأقسام المكتبات والمعلومات بكليات الآداب بالجامعات المصرية، وطلاب الدراسات العليا، وتم تقسيمهم إلى الباحثين في مجال المكتبات والمعلومات في مصر وهم الحاصلون على درجة الدكتوراه بأقسام المكتبات والمعلومات بالجامعات المصرية (84 باحثاً) ، إضافة إلى المسجلين لدرجتي الماجستير أو الدكتوراه (232 باحثاً)، وبهذا بلغ عدد هؤلاء الباحثين 316 باحثاً. ومثل الاستبيان أداة جمع المادة العلمية الرئيسة من مجتمع الدراسة من الباحثين ، وسانده المقابلة الشخصية ، والملاحظة المباشرة
ب- البحوث.
وهي الدراسات التي أجريت في مجال المكتبات والمعلومات خلال السنوات العشر الواقعة بين عامي 1994 م ، و2003 م ، وقد تم تصنيف هذه الدراسات على دراسات بحثية وغير بحثية، وقد بلغ عدد الأطروحات التي تدخل في نطاق وحدود البحث 191 أطروحة ماجستير ودكتوراه إضافة إلى 52 مقالة بحثية ليصل عدد البحوث إلى 243 بحثاً، فضلاً عن الأطروحات المسجلة حتى 16/11/2005 م وبلغ عددها 246 أطروحة والتي استخدمت في التعرف على الاتجاهات الموضوعية المستقبلية للبحوث، وقد مثلت قائمة المراجعة Check List أداة البحث الرئيسة لتحليل محتوى البحوث التي تم جمعها خلال فترة الدراسة.
ج- أقسام المكتبات والمعلومات بالجامعات المصرية.
وهي الأقسام الأكاديمية لدراسة علم المكتبات والمعلومات والموجودة بكليات الآداب بالجامعات المصرية، فضلاً عن تلك الموجودة بكليتي اللغة العربية بشبين الكوم، وأسيوط، وكلية الدراسات الإنسانية للبنات بالقاهرة والتي تتبع جميعها جامعة الأزهر، كذلك قسم المكتبات والمعلومات التابع لكلية العلوم الاجتماعية بجامعة 6 أكتوبر، وهي الأقسام المنوط بأعضائها القيام بأجراء البحوث العلمية في المجال جنباً إلى جنب مع تدريس وتعليم المكتبات والمعلومات، وبلغ عددها 17 قسماً، ومثل الاستبيان أداة البحث الرئيسة في الحصول على المعلومات من هذه الأقسام .
5. فصول الدراسة
بالإضافة إلى المقدمة المنهجية التي تناولت الإطار العام للدراسة فقد انتظمت الدراسة في خمسة فصول ، بالإضافة إلى النتائج والتوصيات التي خرجت بها الدراسة وثمانية من الملاحق.
ويقدم الطالب من خلال الفصل الأول" البحث العلمي في علم المكتبات والمعلومات: المفاهيم الأساسية، والدوافع والمشكلات في البيئة المصرية" مدخلاً مفاهيمياً للبحث والعلم والبحث العلمي وعلم المكتبات والمعلومات، فتحليلاً لعلاقة علم المكتبات والمعلومات بالعلوم الأخرى، ، ثم أهمية وأهداف البحث العلمي في علم المكتبات والمعلومات ، فضلاً عن تصنيف البحوث العلمية في علم المكتبات والمعلومات، واستعراض لدوافع البحث العلمي في المجال في مصر، وقد اختتم هذا الفصل بعرض لمشكلات البحث العلمي في علم المكتبات والمعلومات في مصر.
ويحاول الطالب في الفصل الثاني عرض " مقومات البحث العلمي في علم المكتبات والمعلومات في مصر" وهي: الجمعيات العلمية والاتحادات المهنية، ومؤسسات البحث العلمي في المجال ( أقسام علمية، ومراكز بحوث) ، وأعضاء هيئة التدريس بأقسام المكتبات والمعلومات كأحد أهم مقومات البحث العلمي ، فضلاً عن الباحثين في المجال، وواقع تعليم مناهج البحث العلمي في أقسام المجال بالجامعات المصرية، ومرافق المعلومات كأحد مقومات البحث العلمي الهامة، ثم إيضاحاً لأهمية البيانات العلمية والإحصائيات الرسمية ، والمؤتمرات ، والإنفاق على البحث العلمي في المجال وأهميته، واختتم الفصل بعرض لمنافذ نشر البحوث العلمية في المجال.
ويتناول الفصل الثالث " الاتجاهات الموضوعية للبحوث العلمية في علم المكتبات والمعلومات في مصر" ويبدأ هذا الفصل بعرض للفئات الموضوعية الرئيسة للبحوث العلمية ، ويليه عرض لكل فئة موضوعية وموضوعاتها الفرعية المختلفة، ثم دراسة العلاقة بين الاتجاهات الموضوعية للبحوث وكل من : نوع الباحث، والأقسام الأكاديمية، والمشرفين، وأخيراً مكان عمل الباحث وإقامته.
أما الفصل الرابع" الجوانب المنهجية والإجرائية للبحوث العلمية في علم المكتبات والمعلومات" فيتناول في بدايته إيضاحاً لمناهج البحث العلمي في علم المكتبات والمعلومات من خلال قراءة لهذه المناهج في أدبيات الموضوع، يلي ذلك إيضاحاً لاستخدام هذه المناهج بالبحوث العلمية في المجال وجوانبه المنهجية والإجرائية بداية بمناهج البحث المستخدمة، وما يدعم استخدام هذه المناهج من : تحديد لظاهرة البحث، والتساؤلات والفروض، وتحديد أهداف البحوث، ومجال البحث وحدوده، فأدوات جمع المادة العلمية، ثم أساليب تحليل البيانات، وأخيراً استعراض الدراسات السابقة.
وقد انصب اهتمام الفصل الخامس على"نشر البحوث العلمية المصرية في علم المكتبات والمعلومات، واستثمار نتائجها" بداية بإيضاح معدلات نشر البحوث العلمية في المجال، ثم إيضاح العلاقة بين نشر هذه البحوث وبعض المتغيرات التي يفترض الباحث أن لها تأثير في عملية النشر وهي: نوع الباحث، وجهة العمل، وعضوية الجمعيات العلمية، والحراك العلمي، ويتبع ذلك إيضاحاً لأنماط واتجاهات نشر البحوث من حيث: دوافع نشر البحوث، وأشكال نشرها، وخصائص كل شكل من هذه الأشكال، ومعوقات نشر البحوث العلمية في مجال المكتبات والمعلومات. وقد اختتم هذا الفصل بعرض لمدى استثمار نتائج البحوث العلمية في علم المكتبات والمعلومات، ومعوقات هذا الاستثمار المختلفة.
وذيلت الدراسة بخاتمة شملت أهم ما انتهت إليه من نتائج وتوصيات، وتبعتها قائمة بالمراجع التي اعتمدت عليها الدراسة، ثم قائمة بملاحق الدراسة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ