جاء الإسلام بالرسالة، ممثلة في كتاب الله الكريم وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم المطهرة، مرسلة من رب العباد إلى البشرية جميعاً؛ من أجل عبادته عز وجل على الوجه الصحيح، وإنقاذهم من رق العبودية لغيره، وبيان أن التذلل لا يليق سوى بعظمته وجلاله، الواحد الأحد، الفرد الصمد، ودعوتهم للخروج من ظلمات الجهل إلى نور الحق، وتعليمهم أمور دينهم، وإيضاح النافع لهم، كما بين الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه:[وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] الذاريات:56 ، وبهذا نرى أن الإسلام جاء لهداية البشرية، ووضع الجزاء والثواب الحسن لمن تمسك بأوامره وترك نواهيه، فكان الجزاء جنةً عرضها السموات والأرض أعدها الله لعباده المتقين:[وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] آل عمران:133 إنه بالفعل نعم الجزاء ونعم الثواب من الله عز وجل.
عندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، كرَّمه بالعقل، وجعله في الأرض خليفة له ليحكم بشريعته، ويدبر شؤون الخلائق كما افترض سبحانه وتعالى، وجاء في غالب آيات القرآن الكريم مخاطبة العقل، وهذا دليل واضح على تمييز الإنسان بتلك الصفة، والكفالة للإنسان بالسعادة في الدارين إن تحمل الأمانة المنوطة به، وميز بين الحق والباطل، والعقل فعلاً غريزياً فطرياً غير مكتسب به, يكسب الإنسان إنسانيته، وكرامته.
بالعقل تقودنا النفس إلى التفكر في ملكوت الله، والقيام بالعبادات التي فرضها الله على الخلق على الوجه المطلوب، كما قال سبحانه وتعالى:[قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ] الأنعام:162 فأولو الألباب الذين يتبعون ما أمرهم به ربهم، أولئك هم أصحاب العقول السليمة، والقلوب الخاشعة، والنفوس المخبتة، وليسوا كمن حُرم من الحق وحُرم إتباعه، فنراه يسجد للصليب، ويقدس الشمس والقمر ، أو الجبل والنار، أو النهر، أو النجوم، وغيرها من الآلهة عياذاً بالله، قال الله تبارك وتعالى:[وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آَلِهَةً] مريم:81 فاضاعوا أنفسهم في الحياة الدنيا وسوف يضيعهم الله في الآخرة جزاءً بما كسبوا.
تعتبر تربية النفس من الأمور التي دعا إليها ديننا الحنيف, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( وبيت في أعلى الجنة لمن حسنت سريرته )(1) أي: حسنت نيته، وكانت لا تحمل غلاً ولا حقداً على أحد، ويجب علينا معرفة تربية النفس في خلوها وتزكيتها من شوائب الشرك، والرياء، والنفاق، والكذب، والحسد وغيرها. وتلك الأمور هي التي تفسد النفس، وتجعلها في قلق، واضطراب، ولن يصل الحاسد إلى نتيجة كما قال الشاعر:
لله در الحسد ما أعدله ....... بدا بصاحبه فقتله
وليس هناك بأفضل من جعل النفس زكية طاهرة، منساقة لطاعة الله، معظِّمة لشعائره، خاضعة لأوامره، فالنفس البشرية مفطورة على تعظيم الرب الخالق سبحانه وتعالى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه إما يُهوِّدَانه، أو يُنصِّرانه, أو يُمجِّسَانه )(2), ونلاحظ من هذا الحديث أن الفطرة السليمة هي التي فطر الله الناس عليها،ويحدث الاختلاف باختلاف مقاصد الناس.
وقد تتعرض النفس البشرية لأمراض تعتريها، ومنغصات تتربص بها، ولكن الإسلام دين الرحمة، جعل لكل مشكلة حلاً، ولكل مرض شفاءً بإذن الله تعالى كما جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: ( تداووا عباد الله فما أنزل الله داء إلا وأنزل معه دواء، عرفه من عرفه وجهله من جهله )(3), فيظهر لنا واضحاً جلياً أسباب القلق، والكآبة، والأمراض النفسية، وغيرها من منغصات الحياة؛ حيث تكمن في ابتعاد الفرد عن أساسيات السعادة، في أداء الفروض والواجبات من الأمور التي يحبها الله عز وجل، فالمحروم من سعادة تلك العبادات والتقرب إلى الله عز وجل هو الذي يعيش الشقاء في هذه الدنيا, وسوف يجد الويل والثبور في الآخرة، ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى:[وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى] ( طه : 124 - 126 ) قال تبارك وتعالى :[وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ] الزُّخرف:36
لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع التشبيه في هذا الحديث بين حياة المسلم والكافر حينما قال:( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت )(4), فهناك فرق بين الموت والحياة، وشتان بينهما، فنجد من عظَّم الله، واستشعر مراقبته، وتحركت مشاعره حباً وشوقاً، وطمعاً لمثوبة الله، وتعظيماً لسلطانه، فهو كالحي، وأما من عصى ربه، منغمس في الشهوات، وفاعلاً لما يغضب الله، ومنتهكاً للحرمات، فهو كالميت، لا روح له عياذاً بالله.
يجب على الفرد المسلم أن يحاول جاهداً أن يزكي نفسه من التمرد والعصيان، وأن يسوقها إلى طاعة المولى عز وجل، كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أيها الناس، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيئوا للعرض الأكبر، [يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ] ( الحاقة : 18 ) (5), وذكر الفضيل بن عياض قائلاً: " من حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته، و أكيس الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها وعمل لما بعد الموت، واشتغل بعيوبه وإصلاحها ". فهذه هي النفوس التي قدرت الله وعظمته، وعرفت ثوابه وعقابه.
وتعتبر التربية النفسية من أهم صفات المجتمع الناجح، وسمة من سمات الأفراد الصالحين، الذين يدركون أهمية التربية النفسية في إصلاح المجتمع، ويتطلعون أن تكون مجتمعاتهم من أفضل المجتمعات دينياً وفكرياً وثقافياً، وتحفظ المجتمع من الشر المحيط به، ومن الذين يريدون أن تموج الأمواج الباطلة, وتجتال شباب الأمة إلى أتون الفساد والفواحش، وتأخذه إلى بر الأمان، مرتكزةً على القرآن والسنة، أساس النور الحقيقي الذي منبعه الإيمان بالله وحده، والتربية النفسية هي أساس السلوك الحسن، والخلق القويم، والسيرة الفذة، كانت هي أساس الصلاح، وهداية الحيارى، وصلاح الأفراد، هذه هي الشيم التي تربى عليه سلفنا الصالح، تلك التعاليم هي التي استقوها من تربيتهم الإيمانية.
الهوامش:
1- الطبراني في الأوسط (878).
2- البخاري (1361).
3- أحمد (4264) وصححه ابن حبان (5960).
4- البخاري (6260).
5- الترمذي (2508).
إكرام بني آدام بالعقل
عندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، كرَّمه بالعقل، وجعله في الأرض خليفة له ليحكم بشريعته، ويدبر شؤون الخلائق كما افترض سبحانه وتعالى، وجاء في غالب آيات القرآن الكريم مخاطبة العقل، وهذا دليل واضح على تمييز الإنسان بتلك الصفة، والكفالة للإنسان بالسعادة في الدارين إن تحمل الأمانة المنوطة به، وميز بين الحق والباطل، والعقل فعلاً غريزياً فطرياً غير مكتسب به, يكسب الإنسان إنسانيته، وكرامته.
بالعقل تقودنا النفس إلى التفكر في ملكوت الله، والقيام بالعبادات التي فرضها الله على الخلق على الوجه المطلوب، كما قال سبحانه وتعالى:[قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ] الأنعام:162 فأولو الألباب الذين يتبعون ما أمرهم به ربهم، أولئك هم أصحاب العقول السليمة، والقلوب الخاشعة، والنفوس المخبتة، وليسوا كمن حُرم من الحق وحُرم إتباعه، فنراه يسجد للصليب، ويقدس الشمس والقمر ، أو الجبل والنار، أو النهر، أو النجوم، وغيرها من الآلهة عياذاً بالله، قال الله تبارك وتعالى:[وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آَلِهَةً] مريم:81 فاضاعوا أنفسهم في الحياة الدنيا وسوف يضيعهم الله في الآخرة جزاءً بما كسبوا.
الاهتمام بتربية النفس
تعتبر تربية النفس من الأمور التي دعا إليها ديننا الحنيف, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( وبيت في أعلى الجنة لمن حسنت سريرته )(1) أي: حسنت نيته، وكانت لا تحمل غلاً ولا حقداً على أحد، ويجب علينا معرفة تربية النفس في خلوها وتزكيتها من شوائب الشرك، والرياء، والنفاق، والكذب، والحسد وغيرها. وتلك الأمور هي التي تفسد النفس، وتجعلها في قلق، واضطراب، ولن يصل الحاسد إلى نتيجة كما قال الشاعر:
لله در الحسد ما أعدله ....... بدا بصاحبه فقتله
وليس هناك بأفضل من جعل النفس زكية طاهرة، منساقة لطاعة الله، معظِّمة لشعائره، خاضعة لأوامره، فالنفس البشرية مفطورة على تعظيم الرب الخالق سبحانه وتعالى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه إما يُهوِّدَانه، أو يُنصِّرانه, أو يُمجِّسَانه )(2), ونلاحظ من هذا الحديث أن الفطرة السليمة هي التي فطر الله الناس عليها،ويحدث الاختلاف باختلاف مقاصد الناس.
وقد تتعرض النفس البشرية لأمراض تعتريها، ومنغصات تتربص بها، ولكن الإسلام دين الرحمة، جعل لكل مشكلة حلاً، ولكل مرض شفاءً بإذن الله تعالى كما جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: ( تداووا عباد الله فما أنزل الله داء إلا وأنزل معه دواء، عرفه من عرفه وجهله من جهله )(3), فيظهر لنا واضحاً جلياً أسباب القلق، والكآبة، والأمراض النفسية، وغيرها من منغصات الحياة؛ حيث تكمن في ابتعاد الفرد عن أساسيات السعادة، في أداء الفروض والواجبات من الأمور التي يحبها الله عز وجل، فالمحروم من سعادة تلك العبادات والتقرب إلى الله عز وجل هو الذي يعيش الشقاء في هذه الدنيا, وسوف يجد الويل والثبور في الآخرة، ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى:[وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى] ( طه : 124 - 126 ) قال تبارك وتعالى :[وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ] الزُّخرف:36
لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع التشبيه في هذا الحديث بين حياة المسلم والكافر حينما قال:( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت )(4), فهناك فرق بين الموت والحياة، وشتان بينهما، فنجد من عظَّم الله، واستشعر مراقبته، وتحركت مشاعره حباً وشوقاً، وطمعاً لمثوبة الله، وتعظيماً لسلطانه، فهو كالحي، وأما من عصى ربه، منغمس في الشهوات، وفاعلاً لما يغضب الله، ومنتهكاً للحرمات، فهو كالميت، لا روح له عياذاً بالله.
يجب على الفرد المسلم أن يحاول جاهداً أن يزكي نفسه من التمرد والعصيان، وأن يسوقها إلى طاعة المولى عز وجل، كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أيها الناس، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيئوا للعرض الأكبر، [يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ] ( الحاقة : 18 ) (5), وذكر الفضيل بن عياض قائلاً: " من حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته، و أكيس الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها وعمل لما بعد الموت، واشتغل بعيوبه وإصلاحها ". فهذه هي النفوس التي قدرت الله وعظمته، وعرفت ثوابه وعقابه.
وتعتبر التربية النفسية من أهم صفات المجتمع الناجح، وسمة من سمات الأفراد الصالحين، الذين يدركون أهمية التربية النفسية في إصلاح المجتمع، ويتطلعون أن تكون مجتمعاتهم من أفضل المجتمعات دينياً وفكرياً وثقافياً، وتحفظ المجتمع من الشر المحيط به، ومن الذين يريدون أن تموج الأمواج الباطلة, وتجتال شباب الأمة إلى أتون الفساد والفواحش، وتأخذه إلى بر الأمان، مرتكزةً على القرآن والسنة، أساس النور الحقيقي الذي منبعه الإيمان بالله وحده، والتربية النفسية هي أساس السلوك الحسن، والخلق القويم، والسيرة الفذة، كانت هي أساس الصلاح، وهداية الحيارى، وصلاح الأفراد، هذه هي الشيم التي تربى عليه سلفنا الصالح، تلك التعاليم هي التي استقوها من تربيتهم الإيمانية.
الهوامش:
1- الطبراني في الأوسط (878).
2- البخاري (1361).
3- أحمد (4264) وصححه ابن حبان (5960).
4- البخاري (6260).
5- الترمذي (2508).
2 التعليقات:
السلام عليكم أستاذة رشا
سعيد جدا أن أرى هذا المجهود الرائع , وكم كان يحتاج كل طالب يدرس في أقسام المكتبات والمعلومات إلى تجميع هذا الكم الكبير من الروابط .
أسأل الله أن ينفع بها.
دكتور مجدي الجاكي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
يــــــــــارب.
يسرنى جداً رأيك أستاذى د/ مجدى
ويسرنى أكثر أن أستاذى يهتم بمدونتى المتواضعة هذه .
دائماً أشعر بأنها غير مكتملة والغريب أننى لا أعرف ما ينقصها !!!!
ولكنها مجرد محاولة ....
شكراً لك أستاذى
إرسال تعليق
مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ